وهذه الصفات الثلاث التي وصف الله بها "الفاسقين" من خيانة للعهد، وقسوة القلب، وإفساد في الأرض، كانت ولا تزال هي شعار "الفاسقين" لا تتخلف واحدة منها عن الأخرى في أي عصر ولا في أي جيل.
وفي الآيات التالية من هذه الحصة عرض رائع لقصة آدم وترشيحه للخلافة عن الله في هذه الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. - {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا}.
وفي هذه القصة إشارة أولى إلى بيان فضل آدم على الملائكة، وأن هذا الفضل يتجلى في امتنان الله عليه بعلم ما لا يعلمونه، ومعرفة ما لا يعرفونه، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} - {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.
وفيها إشارة ثانية إلى الفرق الجوهري القائم بين الملك والإنسان، فالملائكة {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} والإنسان خلقه الله حرا مختارا بحيث يطيع ويعصي، ويتمثل ويتمرد {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} - {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} ولكن رحمة الله تنتظره في كل وقت بالتوبة المقبولة، والمغفرة المهداة، لقاء تحقيقه لمراد الله، وتنفيذه لأمره على سطح هذه الأرض، والقيام بعمارتها وإصلاحها وعبادة الله فيها {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
وفي هذه القصة إشارة ثالثة إلى أن عصيان الإنسان لربه ليس نابعا من ذاته، وإنما هو بتأثير عامل خارجي عنه، قد يستبد به ويهيمن عليه، ألا وهو (الشيطان) الذي يوحي إليه بالعصيان