بحجة أنهم يظاهرون العدو، ومن قائل: أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به، وتستحلون دماءهم وأموالهم من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم؟ وافترق المسلمون في الرأي إلى فئتين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهى أي فريق من الفريقين عن رأيه، حتى نزلت آيات كريمة لفض هذا الخلاف في الرأي، وأكدت هذه الآيات رأي الفريق الذي نادى بقتالهم، إن لم يفارقوا مكة نهائيا، ويلحقوا برسول الله مهاجرين معه، وبينت أن " الفرقان " بين نفاق هذه الطائفة وإيمانها هو الإقدام على الهجرة في سبيل الله دون تردد، والتضحية من أجلها بالنفس والنفيس، وإلا حقت على هذه الطائفة كلمة العذاب، واعتبرها المسلمون ملحقة بالمشركين، يعمها ما يعمهم من الأسر والسبي والقتال، وذلك قوله تعالى في شأن هذه الطائفة، وموقف المؤمنين منها ووجه الحق في مصيرها مخاطبا للمؤمنين {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}، أي ما لكم تفرقتم فرقتين في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا ولم تبتوا القول بكفرهم.
ومن ذلك أن طائفة أخرى بمكة كان لها نوع ارتباط وتحالف بمن لهم مع المسلمين حلف وميثاق، فهذه الطائفة ألزم كتاب الله بعدم المساس بها، رعاية واحتراما للميثاق الذي بين المسلمين وبين الطرف المعاهد الذي لها به علاقة وارتباط، وهذا معنى قوله تعالى: