ومن ذلك أن طائفة ثالثة التزمت الحياد بالنسبة للمسلمين وبالنسبة للمشركين، فلا هي تقاتل المسلمين إلى جانب أهل الشرك، ولا هي تشارك المسلمين في قتالهم للمشركين، فهذه الطائفة إن حافظت على حيادها وبقيت ملتزمة للسلم تجاه المسلمين لم ينالوها بسوء، وهذا هو معنى قوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}. أي لم تسمح له ضمائرهم {أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ}. أي لم يتعرضوا لكم {فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}.
ومن ذلك أن طائفة رابعة تتظاهر بالحياد إزاء المؤمنين وإزاء الكافرين، لكن لا بوازع قلبي سليم وإنما بدافع مصلحتها الخاصة، حيث إنها ترى من فائدتها أن تلعب على حبلين، حتى تضمن مصالحها لدى كل من الطرفين، فهي في الباطن من الفتنة وإليها، وهي في جانب الشرك وأهله، وإن كانت في الظاهر تقف موقف الحياد، وتتظاهر بالإسلام أمام أهله، وهذه الطائفة أباح الله للمسلمين دماءها وأموالها إذا تعرضت للمسلمين ولم تعتزلهم وتسالمهم ظاهرا وباطنا، وجعل الله للمسلمين عليها حق القتال بكافة توابعه ونتائجه، وهذا معنى قوله تعالى مخاطبا المؤمنين: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ