للهدم لا محالة، وعلى العكس من ذلك إذا كانت مشاغلهم الفكرية تنحو نحو البناء اتجهت أعمالهم إلى البناء بدل الهدم، وذلك قوله تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}. وفي معناه قوله تعالى:{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
وثاني آية في هذا الربع تبين حكم الله فيمن تعمد مخالفة الرسول والمؤمنين بعدما ظهر له وجه الحق فتحدى ملته وأمته، وذهب برأيه وهواه في واد، وترك الملة والأمة في واد، وأصبح معتزلا وحده في شق، وهما بريئتان منه في الشق الآخر. ومن هنا جاء التعبير بكلمة (الشقاق) في هذا الصدد، وحكم الله فيه هو اعتباره خارجا عن جماعة المسلمين، متمردا على إجماع المؤمنين، له عذاب جهنم وبيس المصير، وذلك قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}.
وعلى هذه الآية نفسها اعتمد الإمام الشافعي رضي الله عنه في الحكم بحجية الإجماع، وما يجب له من الإتباع، نظرا إلى أن الشريعة قد ضمنت العصمة من الخطأ لمجموع الأمة " لا تجتمع أمتي على خطأ " فما ثبت في شأنه اتفاقها وتحقق إجماعها عليه، حق لا ريب فيه.
قال ابن كثير بعد ما ذكر احتجاج الشافعي بهذه الآية على