المقصودون بالذات من هذا الخطاب الموجه في الظاهر إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إذ هم وحدهم - دون الرسول - المعرضون للتأثر بأهواء المحكومين والمخالفين، على حساب الحق، وهم وحدهم المعرضون للفتنة عن العدل. والفتنة أنواع وأشكال، من بينها فتنة الرشوة، وفتنة البطانة والحاشية، وفتنة العداوة والصداقة، وفتنة الشفاعات والوساطات، وفتنة الانحراف والتحريف، وفتنة الآراء الفاسدة والنظريات الباطلة.
وذلك قوله تعالى في خطابه إلى الرسول وهو خطاب إلى المؤمنين عن طريقه {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.
وتنتقل الآيات الكريمة إلى وصف أولئك الذين يولون الأدبار ويتراجعون عن الحكم بما أنزل الله تعالى، مفضلين التقهقر إلى الوراء، وناظرين إلى شريعة الله، إما شزرا، وإما بالاستخفاف والاستهزاء.
وتبين نفس الآيات أن الوصول إلى هذا الحد الأقصى من الانحراف إنما هو نتيجة حتمية لانحرافات تدريجية سابقة، ونوع من أنواع العقاب الإلهي لأولئك المنحرفين الفاسقين، على ذنوبهم التي ارتكبوها وأصروا عليها إصرارا، وذلك قوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}.
ويرفع كتاب الله النقاب عن خصوم الشريعة وأعدائها، ويبين السر الخفي والدافع الحقيقي لخصومتهم لها في السر والعلن، ذلك