أنهم يفضلون شريعة الغاب على شريعة الكتاب، لأنهم يجدون في كنف الأولى كل ما يحقق أغراضهم المنحرفة من الوسائل والأسباب، وحكم الغاب بالنسبة للإسلام هو حكم الجاهلية الأولى، وحكم الجاهلية هو حكم الهوى لا حكم الحق، وحكم العصبية لا حكم العدل، وحكم الطبقية لا حكم المساواة، وحكم الاستغلال لا حكم الإنصاف، وحكم الإباحة لا حكم ضبط النفس، وحكم الفوضى لا حكم النظام، وحكم الفواحش والخبائث لا حكم المكارم والطيبات، وبالجملة فحكم الجاهلية هو الحكم الذي يوحي به الشيطان، والنقيض الطبيعي التام من كل الوجوه، ومن جميع زوايا النظر، لحكم الحكيم الرحمان.
ومن أراد أن يستحضر مثالا حيا لثمرة حكم الجاهلية وثمرة حكم الإسلام، والوليد الشرعي لكل منهما، فليتذكر كيف كان المجتمع العربي في العهد الجاهلي، وكيف أصبح في العهد الإسلامي، وكيف كانت رقعة العالم، الذي أصبح فيما بعد عالما إسلاميا، كيف كانت قبل الإسلام وكيف عادت بعده. وهذا ما يشر إليه قوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
وبطريق الإيماء تفيد هذه الآية الكريمة معنى دقيقا وصريحا لا مناص من لفت النظر إليه، ألا وهو أن كل حكم لم يكن مطابقا لما أنزل الله، ولا مستندا إلى ما أنزله، ولا منسجما مع روحه، ولا مستنبطا منه أو راجعا إليه، أو دائرا في فلكه، بوجه من وجوه الاستنباط وطريقة من طرق الاجتهاد، فهو مندرج تحت حكم