الجاهلية، وداخل تحته دخولا أوليا، مهما أعطي له من الألقاب والأسماء، حيث إن كتاب الله اقتصر عند تعداد أنواع الحكم التي يحكم بها بين الناس على نوعين اثنين لا ثالث لهما: النوع الأول حكم الله، والنوع الثاني حكم الجاهلية، فمن ترك حكم الجاهلية انتقل عنه إلى حكم الله، ومن ترك حكم الله انتقل عنه إلى حكم الجاهلية، وهو في الحقيقة رمز لكل حكم يتنكر للتوجيهات الإلهية والمبادئ الأخلاقية، ويتجاهل وجودها، ويتعمد محاربتها، ويسقط من حسابه ومن تقديره كل علاقة تربطه بمن {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}، متجاهلا قوله تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}.
وفي هذا السياق نفسه يوجه كتاب الله خطابه إلى المؤمنين، متحدثا عما يمكن أن يقع لبعضهم من الردة عن دينه - وكأن في ذلك إشارة إلى من يعطل الحكم بما أنزل الله، ويستبدل به حكم الجاهلية، ويفضله على حكم الإسلام - ثم يعقب على ذلك بأن الله تعالى غني عن هذا النوع من الناس، وقادر على أن يستبدل بهم قوما آخرين لا يبغضهم الله ولا يبغضونه، ولكن يحبهم الله كما يحبونه، ومن جملة خصالهم أنهم رحماء بالمؤمنين، يحققون بينهم مقتضيات شرعه الرحيم وعدله السليم، أشداء على الكافرين لا يقبلون منهم افتياتا ولا تطاولا، ولا يفتحون في وجوههم بابا للفتنة عما أنزل الله. ثم إنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم، فهم لا يتأثرون بأهواء المحكومين والمخالفين ولا بنزغات الجاهلية كيفما كانت، ولا يتنازلون عن شرع الله وعدله قلامة ظفر، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ