المنزلة وتظاهرها بالاستعلاء والاستكبار على من لا يدين بدينها، كل ذلك جعلها سباقة إلى إشهار الحرب على الإنجيل ورسوله، كما جعلها سباقة إلى حرب القرآن ورسوله، وقد اختارت في كثير من الأوقات حرب الدسيسة، والتآمر، وبلبلة الأفكار، وإثارة المشاكل الجانبية، ثم محاولة التسرب إلى قلعة القرآن عن طريق التأويلات المبتذلة، والأساطير المنتحلة، فهي من الوجهة السياسية الحليفة الأولى للوثنية العربية طيلة عهد الرسالة المحمدية، وهي من الوجهة الاعتقادية والتشريعية تتزعم جميع الحركات والتيارات المناوئة للإسلام، والعاملة على تشويهه وتحريفه، وإبرازه كعنصر ثانوي لا أصالة فيه ولا ابتكار، ولا تفتر دوما عن ملاحقة الإسلام ومطاردته في مختلف المجالات، ولاسيما مجالات العقائد والأفكار والآراء، وإلى هذه المعاني يومئ قوله تعالى في إيجاز وإعجاز {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.
ويلاحظ في هذه الآية تقديم {الْيَهُودَ} على {الَّذِينَ أَشْرَكُوا} والسر في ذلك - والله أعلم - أن خطر هذا العنصر أقوى وأشد من خطر جميع العناصر الوثنية، لا فرق بين الوثنية العربية وغيرها، فالوثنية ليس لها أي أساس مقبول من الوحي والرسالة، ولا من المنطق والحكمة، وهي عاجزة أن تقف على قدمها أمام الإسلام الذي يقوم في صميمه على الكتاب والحكمة معا، بينما اليهودية تعتبر نفسها عقيدة توحيد، وبيدها شريعة التوراة التي لا تقبل فيها نسخا، وإن كانت من الوجهة العملية قد حرفتها بنفسها ومسختها مسخا، وهكذا تجد المجال مفتوحا عند غير المسلمين، لتضليلهم