ثم تنتقل الآيات الكريمة إلى وصف طائفة أخرى من أهل الكتاب، هي طائفة من القسيسين والرهبان كانت تدين بالنصرانية، لكنها على أثارة من العلم بقرب ظهور خاتم الأنبياء والمرسلين طبقا لبشارة المسيح عليه السلام الثابتة من قبل {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} فما كاد يظهر الإسلام، ويشرع الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة التي تلقاها من عند الله، حتى آمنوا به وبرسالته، بل أعرضوا عن لغو اليهود من جهة، وتركوا نصرانيتهم من جهة أخرى، وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وتلقوا ما أنزل إلى الرسول بتلهف وشوق وتأثر بالغ، ففاضت أعينهم بالدموع، وبرزت على جوارحهم آثار الخشوع وأخذوا يسألون الحق سبحانه وتعالى أن يكتبهم في زمرة الأمة المحمدية الشاهدة على الناس، وأن يدخلهم الجنة في رفقة القوم الصالحين، ونظرا لصدق يقينهم، وإخلاص إيمانهم، وتوفيقهم، استجاب الله دعاءهم، وأحسن جزاءهم، وذلك ما أشار إليه قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ