فهي تحاول أن تحيط علما بكل شيء، وهي تحشر أنفها في جميع المقامات والمجامع، وهي مولعة بالبحث عن أسرار الناس الخاصة ودخائل أمورهم دون أي موجب شرعي ولا مبرر أخلاقي، وهي حريصة على إثارة الأسئلة الفارغة أو الملتوية، التي لا جدوى من ورائها ولا نفع في الجواب عنها، بغية إيقاع المجيب عنها في ورطة يصعب عليه الخلاص منها، وهكذا فإلى هذه الطائفة ومثيلاتها يتجه الخطاب الإلهي قائلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
ومما يندرج تحت هذه الآية ما جاء في الأثر: أن رجلا من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة كان يطعن فيه، فقال يا رسول الله من أبي؟ فقال أبوك حذافة، فدعاه لأبيه. قال الزهري، فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدا أعق منك قط، أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية، فتفضحها على رؤوس الناس) فقال (والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته).
وأشار كتاب الله في تعقيبه على هذا النوع من الناس الموسوسين وأسئلتهم الفجة، إلى أن المؤمنين لا يمنعهم أي مانع من توجيه أسئلتهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ما دام الغرض منها هو الاستفسار عن الدين والسؤال عن الشريعة، منبها إلى أن أحسن فرصة مناسبة لإلقاء هذا النوع المفيد من الأسئلة هي الوقت الذي ينزل فيه الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي تلك المناسبة يكون الرسول صلى الله عليه وسلم على أتم استعداد لإجابة المؤمنين وتفقيههم في الدين، بتوضيح ما فيه إشكال، وتفصيل ما فيه إجمال، وذلك قوله تعالى: {وَإِنْ تَسْأَلُوا