وقوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} يمكن تفسيره بالجزء الأخير من الحديث الصحيح الذي ثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أمركم بأشياء فامتثلوها، ونهاكم عن أشياء فاجتنبوها، وسكت لكم عن أشياء رحمة منه فلا تسألوا عنها) فيكون معنى {عفا الله عنها} سكت عنها رحمة بالمؤمنين. قال القاضي أبو بكر (ابن العربي) ما خلاصته: قوله تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أي أسقطها، والذي يسقط لعدم بيان الله فيه هو باب التكليف، فإنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه ... واختلاف العلماء رحمة للخلق، وفسحة في الحق، وطريق إلى الرفق).
ثم نادى كتاب الله بإبطال الشعائر الوثنية وإلغائها، وخاصة ما ابتدعه المشركون من اعتناق الإبل والغنم وتسييبها للأصنام والأوثان، فهذه ناقة تشق أذنها وتترك، وهي (البحيرة)، وتلك ناقة يخلى سبيلها مع أمها دون راع ولا قيد، وهي (السائبة) بحيث لا يركب ظهرها، ولا يجز وبرها، ولا يشرب لبنها، وهناك شاة تلد ذكرا أو ذكرا وأنثى، وهي (الوصيلة) فتخلى للأوثان والأصنام، وهذا فحل من الإبل ينقضي ضرابه، فيجعل عليه من ريش الطواويس ويسيب، وهو (الحامي).
وهكذا ذم الله تعالى ما كان يفعله المشركون من هذه الشعائر الباطلة، وحذر المسلمين من الوقوع فيما وقعوا فيه، بعد أن عرفهم أن ذلك كله مجرد كذب على الله، ومحض افتراء عليه، وذلك قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ