أبناءهم، وذلك مضرب المثل في المعرفة، فالآباء لا يجهلون صور أبنائهم الذين يعايشونهم، ولا يغيب عنهم شيء من ملامحهم وطباعهم، بل يعرفون أمرهم دون تردد ولا توقف، لكن ما استولى على " أهل الكتاب " من روح التعصب، وما سيطر عليهم من الأهواء والأغراض، وما أصابهم من الخيبة بانتقال الرسالة منهم إلى العرب من ذرية إسماعيل، أعمى أعينهم عن رؤية النور، فلم يهتدوا سبيلا، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
ثم يصف كتاب الله حال خصوم الإسلام، وما يضعونه في طريق انتشار دعوته من العراقيل والمعوقات، فهم لا ينتفعون بالدعوة الإسلامية في أنفسهم، وهم لا يتركون غيرهم يقبل عليها وينتفع بها، بل إنهم ليصدون الناس عنها صدا {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} الأمر الذي لا يتفق ولا ينسجم مع ادعائهم أن دعوة الإسلام مجرد أسطورة من الأساطير، فالأسطورة المختلقة والقصة المكذوبة خير للناس أن يسمعوها ويقفوا على ما فيها من اختلاق وكذب، ليعرضوا عنها إلى الأبد. أما أن يقول خصوم الإسلام: إن الإسلام أسطورة، ثم يتخذوا جميع الوسائل لضرب الحصار من حوله، ومنع الناس وإلهائهم عن سماع دعوته، فذلك دليل ضمني على أن دعوة الإسلام حق وصدق، وأنها تدخل الآذان من غير