وإذن فأمام الدعوة الإسلامية صنفان من الناس، أحياء لا يزالون يتمتعون بملكاتهم وحواسهم، وعندهم استعداد للفهم والتفاهم، وهؤلاء معقد الأمل والرجاء في نصر الدعوة الإسلامية، {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} وهناك أموات أحاطت بهم الضلالات والأوهام من كل جانب، فدمرت فيهم جميع الملكات، وعطلت في أنفسهم جميع الطاقات، وضربت من حولهم حصارا تاما لا يبقى معه أي منفذ تصل إليهم عن طريقه هذه الدعوة، ولا أية نافذة يطلون منها على حقيقة الكون والمكون، وهؤلاء وإن كانوا لا يزالون في الدنيا فهم موتى موتا معنويا وروحيا، وسيظلون على موتهم المعنوي هذا إلى أن تتم موتتهم الجسمية الأولى، ولن يبعثوا من موتهم المعنوي ثم موتهم الجسمي إلا يوم يحل موعد البعث والنشر والحشر يوم القيامة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} أي الذين لا تزال ملكاتهم غير معطلة {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} أي الذين تعطلت ملكاتهم لا يستجيبون للرسول صلى الله عليه وسلم، فهم موتى، والميت لا يجيب إلا عندما يبعث ويحشر أمام الله {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
ويواصل كتاب الله في هذه السورة عرض شبهات المشركين في سياق الحكاية عنهم بلفظ {قالوا} أي قال المشركون لرسول الله.
ثم يعرض بعد ذلك حقائق الإيمان التي يتلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، ليبطل شبهات المشركين، مسبوقة بكلمة {قل} أي قل لهم يا محمد.