الله صلى الله عليه وسلم من تنزيل الآيات عليهم، وهم يقصدون بذلك أن يأتيهم الرسول صلى الله عليه وسلم بخوارق العادات والمعجزات المادية، بدلا من آيات الوحي المبين، إذ إن كثيرا منهم بلغوا من التحجر والتبلد والانحطاط الفكري ما جعلهم لا يكتفون بآيات الوحي المبين، التي تقنع العقول وتثلج الصدور، فيجيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قادر على أن يأتيهم بالخوارق والمعجزات المادية، كما أتى بها للأمم السالفة من قبل، إلا أن المنهاج الجديد الذي جاءت به الدعوة الإسلامية - وهو خاتمة الرسالات إلى الناس كافة - هو عرض الحقائق الإيمانية على الإنسانية جمعاء، وحث الإنسان أينما كان على تفهم هذه الحقائق، ومعرفة صدقها وأحقيتها عن طريق التفكير بها، والنظر في دلائلها، والمقارنة بينها وبين بقية العقائد، فقد مضى العهد الذي كان فيه البشر لا يزالون أطفالا أو أشباه أطفال لا تقنعهم إلا المعجزات المادية وخوارق العادات التقليدية، وها قد أقبل مع ظهور الإسلام عهد جديد للبشرية، هو عهد إعدادها للنضج، وتهيئتها للرشد، والأخذ بيدها في سبيل هدايتها إلى الحق، عن طريق الانتفاع بنفس الطاقات الكامنة فيها، وتسخير العقل والقلب والضمير والحواس الظاهرة والباطنة لإدراك حقائق الإيمان، إدراكا منبثقا من أعماق الإنسان، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن المشركين {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} وقوله تعالى في رد الرسول صلى الله عليه وسلم على طلبهم {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً}. ثم يأتي التعقيب بقوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
ويأخذ كتاب الله في التنبيه على بعض الحقائق الكونية التي