عميت بصائرهم، وتحجرت عقولهم، إلى درجة أنه لم يبق أي منفذ ينفذ منه الحق أو الحقيقة إلى قلوبهم، وذلك ما يؤكده قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} أي عيانا ومشاهدة، {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ}. وفي مثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة يونس:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}.
ثم انتقلت الآيات الكريمة إلى وصف ما تلاقيه دعوة الأنبياء والرسل من دعايات مضادة يقوم بها أعداء الرسالات الإلهية وخصومها المفسدون في الأرض، مبينة أن هؤلاء الأعداء المتحالفين على محاربة الرسل ورسالاتهم هم أشرار الخلق من الإنس والجن، فهم حلف واحد متمرد على الله، متعاون على حرب رسله، وما من فريق منهم إلا هو يستوحي من الفريق الآخر كل ما يساعده على التغرير بضعفاء النفوس، وتضليل بسطاء العقول، ونبهت نفس الآيات إلى أن الذين ينكرون الحياة الآخرة ولا يؤمنون بالبعث هم الضحايا الأولون، والزبناء المختارون لهذا الحلف الضال، من شياطين الإنس والجن، فهم الذين يتقبلون وحي هؤلاء الشياطين برضى واطمئنان، وهم الذين يقترفون- بإيحاء منهم- كل ما يأتونه