والآن فلنتجول في هذا البستان الإلهي النضير، تجول المتبصر المستنير، ولنقف ولو وقفة قصيرة عند بعض زهراته، عسى أن نستمتع بعبير نفحاته.
يقول الله تعالى: في خطابه لنبيه خطاب القريب للقريب: {المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فها هنا يمتن الحق سبحانه وتعالى على نبيه باختياره للنبوة من بين سائر العرب، واصطفائه للرسالة من بين كافة البشر، ومعنى ذلك أنه قد وقع الاختيار عليه بدلا من غيره لحكمة إلهية، وأنه مكلف في هذه الأرض بأداء رسالة سماوية سامية {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} إليك يا محمد، لا إلى غيرك من العرب والعجم، فأنت خاتم الرسل إلى كافة الشعوب والأمم. والبشر بالنسبة إلى هذا الكتاب الإلهي الحكيم نوعان:{مؤمنون} يتوجه إليهم كتاب الله بالتذكير والوعد والبشارة، و {مكذبون} يتوجه إليهم بالتحذير والوعيد والنذارة {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
ونظرا لما يفرضه القيام بأداء هذه الرسالة الثقيلة الأعباء، من صبر وجلد وتضحية، وكفاح متواصل الحلقات، مع ما يستتبعه ذلك من مواجهة الصدمات والأزمات، وجه الحق سبحانه وتعالى خطابه الرقيق الرفيق إلى خاتم رسله، قائلا له تثبيتا لفؤاده، وتشجيعا له على بلوغ مراده، {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} أي فلا تتحرج في إبلاغه والإنذار به، لأن الله تعالى قد تعهد في الأزل بأن يشرح صدرك ويعصمك من الناس {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} - {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وإذن فما عليك أيها الرسول إلا أن تقوم