على عرض الجار، ورد في الصحيحين من حديث عبد الله ابن مسعود أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم، فقال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قلت ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك. وهكذا يكون ترتيب الذنوب والمعاصي حسب التدرج من الأدنى إلى الأعلى، صغائر، ثم كبائر، ثم فواحش.
ويشهد لوجود هذه الأصناف الثلاثة من الذنوب عدة آيات وردت في كتاب الله منها قوله تعالى في سورة الكهف:{وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وقوله تعالى في سورة النجم في وصف المؤمنين {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قال ابن كثير: وهذا استثناء منقطع، لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال.
وقوله تعالى هنا:{مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} بعد ذكر الفواحش وإعلان تحريمها بصفة عامة تنبيه إلى أن الإسلام لا يكتفي من معتنقيه بالشكليات والظواهر، ولا يرضى منهم بالنفاق، وإنما ينفذ إلى الأعماق والبواطن، فالنية الفاسدة والقصد السيئ والخلق المرذول الذي ينطوي عليه الشخص باطنا، والعمل القبيح الذي يتستر به عن الأعين، كل ذلك يعتبره الإسلام ذنبا ومعصية وفاحشة يؤاخذ بها المكلف، مثل ما يؤاخذ بالفواحش الظاهرة، والإسلام حريص على أن يكون الظاهر عنوان الباطن بالنسبة