للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مقررا لهم حقيقة ذلك المبدأ الاعتقادي الأصيل الذي أنزله الله من فوق سبع سماوات، ألا وهو مبدأ {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} المعبر عنه في لسان هذا العصر بحرية الاعتقاد. وهكذا أجابهم شعيب قائلا: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}، أي أتعيدون المؤمنين برسالتي إلى ملتكم الباطلة بعدما كرهوها ومقتوها وآمنوا بالله؟ إنه لا حق لأحد في أن يفرض معتقده على الغير بالقهر والإكراه، أتساومونني على أن أدع رسالة ربي لأقر ملتكم الباطلة،؟ إنه لا سبيل إلى ذلك، ولا سلطة تستطيع أن تفرض علينا التصديق بما هو كذب وافتراء، واتباع ما هو ضلال وباطل، {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا}، وأخيرا قطع شعيب لكبراء قومه الضالين كل أمل في المساومات والتهديدات قائلا: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا}.

وقوله هنا {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ليس المراد به تجويز عودة أصحاب شعيب إلى الملة الضالة التي فارقوها، ولا احتمال تنازل شعيب عن الرسالة المأمور بتبليغها عن الله، وإنما المراد أحد أمرين، إما استبعاد ذلك بالمرة عن طريق تعليقه بالمشيئة الإلهية، وشعيب يعلم علم اليقين أن الله لا يرضى لعباده الكفر، وأنه يعصم رسله من الناس، وذلك على غرار قوله تعالى فيما سبق: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} إذ ليس معنى هذه الآية أن الجمل سيدخل في عين الإبرة وهي سم الخياط، وأن الذين كذبوا واستكبروا سيدخلون فعلا الجنة عندما يدخل الجمل عين الإبرة، وإنما معناه قطع كل أمل لهم في دخول الجنة، بذلك الأسلوب

<<  <  ج: ص:  >  >>