المدهش، الذي يفتح باب الطمع أولا، ليقفله في وجوه الطامعين أخيرا، فتكون حسرتهم أعظم، وخشيتهم أشد.
وإما أنه من باب الأدب مع الله تعالى في تعليق كل شيء بمشيئة الله، على غرار قوله تعالى في سورة الكهف:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} جريا مع العقيدة الإيمانية العامة والأصيلة في دين الله: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن).
ومضى شعيب والمؤمنون معه في طريقهم السوي معتمدين على الله، دون أن يعبئوا بما تعرضوا له من المساومة والتهديد والإكراه، متحملين في سبيل نشر الهداية، كل أذى من أهل الغواية، {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.
ومما يلاحظ في هذا السياق أمران اثنان: أولهما ما قدح به كبار قوم شعيب في الذين آمنوا به من قومه، إذ واجهوهم، مؤكدين لهم بجميع وجوه التأكيد أنهم بسبب اتباع شعيب خاسرون {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}. وثانيهما ما رد به الحق سبحانه وتعالى عليهم رد صدق وحق، مثبتا لهم ولمن بعدهم أن صفة " الخسران " التي وصفوا بها شعيبا وصحبه إنما كانت في الواقع من نصيب الملأ الكافرين لا من نصيب المؤمنين، وذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} إذ كرر كتاب الله نفس الوصف فأطلقه عليهم وألصقه بهم، وفي مثل هذا المقام يصدق المثل العربي الذائع:" وافق شن طبقة "؛ فما أوفق الكفران بالخسران.