ولا بد أن نلفت النظر هنا إلى نقطة جوهرية وردت فيما حكاه كتاب الله عن شعيب عليه السلام:{وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} فها هنا يتحدث شعيب عن النصيحة الخالصة التي لم يزل يسديها إلى قومه، فلم يعر لها الملأ منهم التفاتا ولا اعتبارا، ونفس الشيء تحدث عنه نوح وهود وصالح من قبل شعيب، كما حكى الله ذلك عنهم جميعا، فعلى لسان نوح جاء قوله، {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وعلى لسان هود جاء قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} وعلى لسان صالح جاء قوله: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}.
وهكذا نجد أن إسداء النصح إلى الخلق كان شعار الأنبياء والمرسلين واحدا بعد الآخر، وأنهم بذلوا كل المستطاع، بل ما فوق المستطاع، في سبيل هداية الخلق إلى الله وإلى صراطه المستقيم، ولم تزل النصيحة دينا متبعا وسنة متوارثة، إلى أن أنزل الله الوحي على رسوله الكريم، فجدد الأمر بها، وأكدها الذكر الحكيم، وفرض الإسلام بمقتضى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تبادل النصح والإرشاد في شؤون الدين والدنيا على الراعي والرعية. لكن النصيحة لا تعتبر نصيحة في الإسلام إلا إذا كانت خالية من كل غش أو تدليس أو خيانة، وخالصة من جميع الأغراض الشخصية.
ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله. قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين