ثم اتجهوا إلى الحق سبحاه وتعالى الذي أشرق نور الإيمان به في قلوبهم ضارعين خاشعين {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} أي صبرا عظيما نتحمل به عدوان فرعون وملإه، وما يهددنا به من قطع وصلب. {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} وكأنهم في هذا المقام لم يعد يهمهم من الحياة إلا أمر واحد، هو أن يختم الله لهم بالخاتمة الحسنى، وهي الوفاة على ملة الإسلام، التي هي ملة جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وهكذا بعدما كانوا في أول النهار سحرة كفرة، أصبحوا في آخره شهداء بررة، كما صرح بذلك جماعة من مفسري السلف.
وقول كتاب الله هنا على لسان موسى عليه السلام:{اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} الآية، يمثل حقيقة دينية، وحقيقة كونية، وسنة إلهية، فالتضحية والصبر، كانا دائما ولا يزالان مفتاح الغلبة والنصر، والاستعانة بالله والاعتماد عليه بعد اتخاذ الأسباب، هما الوسيلة الفعالة للنجاح والتغلب على الصعاب، والأرض ملك لله إنما يعيرها لخلقه للارتفاع والانتفاع، وإنما يستخلف فيها - أعزاء كرماء - أولئك الذين يتقون ولا يفسقون، فإن فسقوا وظلموا وأفسدوا استبدل بهم قوما آخرين {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
ثم يعرض علينا كتاب الله صورة من صور التذبذب والتململ والتردد والقلق، التي عرف بها بنو إسرائيل عبر القرون والأجيال، فرغما عن أن موسى عليه السلام نصره الله نصرا مؤزرا على فرعون وسحرته، ورغما عن أنه طالب فرعون بأن يرسل معه