بني إسرائيل كما حكى الله عنه، إذ خاطب فرعون قائلا:{فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} نجد بني إسرائيل يستثقلون ظل موسى ويتضايقون منه، ولا يخجلون أن يخاطبوه دون أدب ولا لياقة، كما حكى كتاب الله عنهم قائلين:{قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا}، لكن موسى يكظم غيظه ويرد عليهم ردا هادئا، منبها إلى أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يمتحنهم ويختبرهم، ويظهرهم للناس على حقيقتهم، وذلك بمقتضى سننه الثابتة في هذا الكون، فإن أصلحوا كانوا أهلا للاستخلاف بين الناس، وإن أفسدوا أصدر الحق سبحانه وتعالى في شأنهم حكمه العادل بالحجر والإفلاس {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
ويصف لنا كتاب الله نماذج مثيرة من عذابه الأليم الذي ينزله بالأمم، متى أصرت على الضلال والعدوان هي وقادتها في مختلف العصور، من أية سلالة كانت، وإلى أية ملة انتسبت، فيحدثنا عما أنزله الله بفرعون وقومه من أنواع المصائب والمتاعب، التي توالت عليهم دون انقطاع، بحيث لا يكادون يفرغون من واحدة منها حتى يستقبلوا أخرى تكون أدهى وأمر {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} - {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} وتعني كلمة " السنين " في هذه الآية سنين الجدب والقحط والجوع، وهذا أمر يستغربه كل من يعرف " نيل مصر " حتى قيل فيها إنها " هبة النيل "، وإنها ليست بلد الماء المحدود والزرع القليل.