السلام ألا ترون ما يقول ربي عز وجل:(لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل)، وذلك ليقروا بميثاق الكتاب، ويحسبوا له كل حساب، فلم يسعهم حينئذ إلا القبول بعد التردد، والإقرار بعد التقاعس، نزولا على حكم هذه المعجزة الخارقة للعادة، وإلى المعنى الرئيسي الذي هو محور هذه القصة تشير الآية الكريمة بإيجاز:{وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} أي رفعناه فوق رؤوسهم {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} من الظل، وجمعها ظلل {وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} أي ساقط عليهم {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وقوله تعالى هنا:{خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} الآية، أمر إلهي موجه رأسا لبني إسرائيل، على غرار الأمر الإلهي الموجه إلى موسى نفسه، {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}، وقد سبق في الربع الثالث من الحزب الماضي، والمراد به أن يأخذوا ميثاق الكتاب بجد وحزم وعزم وامتثال كامل، وقد تناول كتاب الله نفس القصة أيضا في سورة البقرة المدنية، حيث قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} الآية. كما تناولها في سورة النساء المدنية أيضا، حيث قال:{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ}. ولفظ الطور الوارد في سورة البقرة والنساء المدنيتين المراد به " الجبل " كما ورد هنا في سورة الأعراف: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} إذ القرآن يفسر بعضه بعضا، وقد نص على هذا التفسير ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع ابن أنس وغيرهم من مفسري السلف كما نقله ابن كثير.