للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم انتقلت الآيات الكريمة في هذا الربع إلى الحديث عن أقدم وأول ميثاق أخذه الله على كافة العباد، وهم لا يزالون في أصلاب آبائهم سرا مكنونا في عالم الغيب، وهذا الميثاق هو ميثاق فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهو يتضمن في جوهره الإقرار بربوبية الله وبعبودية الإنسان، على أساس من التوحيد والإيمان. فما من إنسان إنسان وكل إلى فطرته الأولى، ولم تتعرض فطرته لعوامل التشويه والإفساد، إلا وهو مقر بألوهية الله وربوبيته للعباد، ومعترف من أعماق قلبه بهذا الميثاق، وملتزم بجميع نتائجه وآثاره على الإطلاق، دون معارضة ولا جحود، ودون أي قيد من القيود، مصداقا لقوله تعالى، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} حتى ما إذا وقع الإنسان بين أيد غير أمينة، فعملت على تشويه فطرته وإفسادها، انحرف عن الفطرة السليمة، واختلطت عليه العقيدة الصحيحة بالمعتقدات السقيمة، ونسي الميثاق الأزلي المعقود بين فطرته وبين ربه، ووقع في شرك الشيطان وحزبه.

وقد أشار كتاب الله في هذا السياق، إلى أن الحكمة الإلهية في المبادرة في أخذ هذا الميثاق هي قطع كل عذر لمن نكث بعد ذلك بالعهد، وإسقاط كل حجة لمن لم يبر بالوعد، مصداقا لقوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وإلى هذه المعاني مجتمعة يشير قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} وكشف كتاب الله عما قد ينتحلونه من الأعذار

<<  <  ج: ص:  >  >>