أنه لا يستطيع لنفسه نفعا ولا ضرا، فمن باب أولى وأحرى أن يكون إعلانه عن هذه الحقيقة شاملا لغيره من بقية الناس. وهذه تربية من الله لعباده، وإرشاد لهم بهذا الأسلوب المباشر، حتى لا تختلط في أذهانهم ولا في عقائدهم خصائص الألوهية بخصائص النبوة.
وتأكيدا لنفس المعنى مضى الخطاب الإلهي يلقن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ماذا ينبغي أن يعلم لأمته حتى لا تضل سواء السبيل، فأثبت بأسلوبه الخاص أن علم الغيب بالأصالة إنما هو من اختصاص علام الغيوب وحده:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}، لكن يحدث أحيانا أن يتكرم الحق سبحانه وتعالى، ويظهر على شيء من غيبه بعضا من خواص خلقه، وذلك لحكمة إلهية، وهذا لا يعدو أن يكون " منحة ربانية " لهم في بعض الظروف، مصداقا لقوله تعالى في سورة الجن المكية:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}.
وأوضح كتاب الله هنا فيما لقنه لرسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم أن الرسول لو كان يعلم الغيب فعلا لانتفع بعلم الغيب فيما يتناوله من شؤون، ولتفادى بفضله كثيرا من الأحداث والمفاجآت، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم:(وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ).
ومن التفاسير التي أوردها ابن جرير الطبري لهذه الآية: (لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة،