وهم في هذا الجواب الملتوي لم يكشفوا عن حقيقة رأيهم كاملا، إذ إنهم في الحقيقة كانوا ينظرون من بعيد إلى اعتقادهم الراسخ بأن شريعتهم ليست موقتة بوقت محدود، ولا مغياة ببعثة رسول آخر يأتي من بعد موسى وعيسى اسمه " أحمد "، بل إن شريعتهم ستظل مستمرة ومطلقة. وإذن فلا يمكن أن يدخل عليها، أي نسخ، لأن نسخ الشريعة بأخرى في نظرهم مستحيل، وقد بنوا نظريتهم في استحالة النسخ على مزاعم واهية، واستنتاجات خيالية.
وردا عليهم، وإبطالا لنظريتهم، جاءت الآية الكريمة تقول:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. فتؤكد -على عكس ما يدعون- إمكان النسخ في الشرائع، بل تثبت وقوعه فيها فعلا، ثم توضح وجه الحكمة فيه، وأن مرده هو ضمان خير البشرية ونفعها تبعا لاختلاف الظروف، وكأن هذه الآية الكريمة تقول لبني إسرائيل: إن الشريعة التي جاء بها الإسلام ودعاكم إليها قد نسخت شريعتكم ووضعت لها حدا، وعوضتكم عنها بشريعة أكمل وأفضل، وهي نخبة الشرائع وخاتمة الأديان، فلا يسعكم الآن إلا أن تتخلوا عن شريعتكم وتدخلوا في دين الله أفواجا.
وبعد ما أثبتت هذه الآية مبدأ النسخ، وبينت وجه الحكمة فيه، وهو مصلحة المكلفين وخيرهم- ردا على مزاعم بني إسرائيل-عقبت على ذلك بما يؤكد أن الأمر في هذا المقام يتعلق