قبل كل شئ بقدرة الله المطلقة، ويرتبط بتصرفه الشامل، تلك القدرة وذلك التصرف اللذان لا يحدهما شئ، فلله أن يرسل من يشاء، ولله أن يأمر بما يشاء، في أي وقت شاء، وبذلك تنطق هذه الآيات:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. وفي مثل هذا السياق جاء قوله تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.
ومن البديهيات المتعارفة أن الإنسانية قد مرت بعدة أطوار، وأن الله تعالى بفضل ربوبيته، وفيض رحمته، لم يزل يبعث لهداية الإنسان الأنبياء والرسل، فوجا إثر فوج، ما بين الفترة والأخرى، وكلفه على لسانهم في كل مرحلة من مراحل حياته بالتكاليف المناسبة لتلك المرحلة، أخذا بيد الإنسان، الذي اقتضت حكمته أن يستخلفه في الأرض، إلى طريق الرشاد، وتدريجا له في مدارج التكليف من حال إلى حال، على قدر إدراكه، وحسب استطاعته، وتبعا لحاجته، وهكذا كلما بلغ الإنسان درجة أرقى في التطور رفع عنه الحق سبحانه وتعالى من التكاليف ما لم يعد مناسبا، وكلفه بشرع جديد هو أكثر ملائمة لواقعه الجديد.
فلما استدار الزمان بحلول موعد البعثة المحمدية، وأذن الله بدخول الإنسان في بداية مرحلة الرشد، وإعداده لدرجة أعلى من الوعي والنضج، بعث الله خاتم الأنبياء بخاتمة الشرائع التي لا شريعة بعدها، والتي جاءت بنسخ ما قبلها مما لا يتفق معها.
ومن ثم كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عامة إلى الناس كافة،