الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، إذ لا يقاوم تضامن أهل الباطل وتكتلهم، ولا يقضى على آثاره السيئة، إلا بتضامن أهل الحق وتكتلهم صفا واحدا، ولا يفل الحديد إلا الحديد:{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وأخيرا حذر كتاب الله من مخالفة هذه الأوامر الإلهية الصارمة، التي بامتثالها ينهض المسلمون وينصرون، وبمخالفتها تدول دولتهم ويقبرون، فقال تعالى:{إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}. ففي هذه الآية الكريمة آخر إنذار وجهه كتاب الله مباشرة إلى كافة المؤمنين، ومضمون هذا الإنذار الإلهي الخطير: إنكم أيها المسلمون إن ضيعتم الألفة التي عقدتها بينكم، وانقسمتم على أنفسكم، وواليتم أعداء الإسلام بدلا من موالاة بعضكم، وإن أهملتم إعداد القوة اللازمة لحفظ كيانكم، والعمل المتواصل لتدعيم سلطانكم، وإن تخاذلتم عن إعزاز ملتكم وحماية دولتكم، وإن تهاونتم في السعي إلى فرض هيبتكم وإعلاء كلمتكم {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} أي أن لا تفعلوا كل هذا: {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ} أي تقم فتنة في أطراف العالم، وفي طليعة العالم الإسلامي، وذلك لتسلط قوات الشر والعدوان في كل مكان، ولفقدان التوازن بين القوات المتطاحنة في الميدان، وهكذا يسود البغي والفساد، في جميع أطراف البلاد:{تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} وهذا التفسير الذي فسرنا به