الاعتبار قرن بينهما عند كتابة المصحف من جهة، ولم تكتب بينهما البسملة التي تفرق بين سورة وأخرى فرقا تاما، من جهة أخرى.
وإنما سميت " سورة التوبة " بهذا الاسم، أخذا من قوله تعالى في شأن الثلاثة الذين خلفوا ثم تابوا في غزوة تبوك:{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
والموضوع الرئيسي الذي تعالجه سورة التوبة هو بيان ما يجب أن تكون عليه علاقات المسلمين بغيرهم من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وإبراز ما كانت تنطوي عليه نفوس المثبطين والمتخلفين والمتثاقلين، حين استنفر رسول الله إلى غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة، بغية فك الحصار الذي كان يضربه الروم إذ ذاك على الدعوة الإسلامية ناحية الشام، وتمهيدا لخروج هذه الدعوة السماوية من جزيرة العرب، وانتشارها في بقية أرجاء العالم.
قال ابن كثير: " وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك، وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم ذاك إلى موسم الحج على عادتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة، فكره صلى الله عليه وسلم مخاطبتهم، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميرا على الحج تلك السنة، ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا، ثم أتبعه بعلي ابن أبي طالب ومعه {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ليؤذن بها ويبلغها إلى الناس.