ونقل القاضي أبو بكر " ابن العربي " عن أبي المظفر طاهر ابن محمد أنه قال: " إنما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليا {ببراءة} مع أبي بكر، لأن {براءة} تضمنت نقض العهد الذي كان عقده النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت سيرة العرب أنه لا يحل العقد وينقضه إلا الذي عقده أو رجل من بيته، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع ألسنة العرب بالحجة، وأن يرسل ابن عمه الهاشمي من بيته بنقض العهد، حتى لا يبقى لهم متكلم ". قال القاضي أبو بكر تعقيبا عليه:" وهذا بديع في فنه ".
وهكذا طاف أبو بكر وعلي بالناس في ذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالمواسم كلها، وخطب أبو بكر الناس يوم عرفة، ولما أتم خطبته التفت إلى علي وقال له:" قم يا علي، فأد رسالة رسول الله " فقام علي وقرأ عليهم أربعين آية من {براءة}، ثم علم علي بعد ذلك أن أهل الجمع لم يكونوا كلهم حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة، فلم يزل يتتبع الفساطيط بمنى فسطاطا فسطاطا ويقرؤها عليهم، حتى بلغت {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى الجميع، وأدرك المشركون من العرب حينئذ أن الساعة قد دقت، وأنه لم يبق أمامهم أي احتمال، ما عدا الإسلام أو القتال، وكان المؤذنون يؤذنون يوم النحر: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وبهذا التدبير الحاسم الذي اتخذه الرسول بوحي من ربه وضع حدا نهائيا لجميع مظاهر الشرك وشعائره في عبادة الحج، وانتظر رسول الله حلول العام القابل ليدشن بنفسه موسم الحج الإسلامي بشعائره الإسلامية الكاملة، فجاء الرسول عليه الصلاة والسلام على رأس الآلاف المؤلفة من المسلمين ليحج " حجة الوداع "