في السنة التالية، وهي السنة العاشرة للهجرة، دون أن يشارك في تلك الحجة أحد من المشركين.
والآن فلنلق نظرة سريعة على الآيات السابقة من سورة براءة الواردة في نهاية الربع الماضي، لننتقل منها إلى الآيات الواردة في هذا الربع، إذ إنها يرتبط بعضها ببعض معنى وسياقا، وفهم الآيات اللاحقة متوقف على فهم الآيات السابقة.
فقوله تعالى:{بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي هذه الآيات براءة من الله ورسوله، والبراءة بمعنى التبرؤ، تقول برئت من الشيء إذا أزلته عن نفسك، وقطعت ما بينك وبينه من علاقات.
وقوله تعالى:{إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يستفاد منه مبدأ تشريعي مهم، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وحده هو الذي عاهد المشركين عندما اقتضت مصلحة المسلمين ذلك، بصفته " إماما " حاكما وآمرا، لكن هذه الآية نسبت العهد الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى جميع المؤمنين، إذ قالت:{الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} ولم تقل الآية: {الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ} نظرا إلى أن كل ما حكم به الرسول صلى الله عليه وسلم أو أمر به فهو لازم لأمته، منسوب إليها، ومحسوب عليها، إذ هو رئيسها الأعلى. ومن هنا جاءت القاعدة الشرعية:" أن الإمام إذا عقد أمرا بما يرى فيه المصلحة للأمة لزم حكمه جميع رعاياه، فإذا رضوا به كان أثبت لنسبته إليهم}. كما نسب عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان قد عاهد به المشركين، إلى جميع المسلمين، لكونهم به راضين، وهذا فن بديع من تحقيقات القاضي أبي بكر " ابن العربي " وتدقيقاته.