وقوله تعالى هنا:{مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يقتضي أن أولئك المعاهدين لم يكونوا من أهل الكتاب، فقد كان العهد المشار إليه هنا خاصا بالوثنيين من العرب.
وقوله تعالى:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} من السياحة أي السير، ومعنى الآية: أن الحد الذي حده الله للذين عاهدوا رسوله من مشركي العرب لا يتجاوز بعد {إعلان البراءة} أربعة أشهر، لهم أن يسيروا خلالها ويذهبوا حيث شاؤوا، ناجين بأنفسهم آمنين، ليدبروا أعمالهم، ويتدبروا مآلهم، فإن دخلوا أثناءها في الإسلام كان لهم ما للمسلمين من العصمة والأمان والاحترام، وإن أصروا على الشرك كان لهم عند تمام آخر ليلة من آخر شهر، إما القتل وإما الأسر، وقد استغرق هذا الأجل المحدود بأربعة أشهر: عشرين يوما من ذي الحجة، وكانت نهايته: اليوم العاشر ربيع الثاني كما نص عليه ابن كثير، وهذا الأجل الذي ضربه الله للمعاهدين من المشركين- أجل أربعة أشهر- إنما هو بالنسبة لمن كان لهم عهد مطلق، غير مؤقت ولا محدود المدة.
وقوله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} الآية. المراد (بالأذان) في لسان العرب مطلق الإعلام، أي هذا إعلام مقدم، وإنذار سابق من الله ورسوله إلى الناس، جريا على المنهج الإسلامي المعروف في قوله تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وفي قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}.
و {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} إما أنه يوم عرفة كما رواه ابن جرير وابن