ويستعدوا للنزال، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت أمام العدو، رغما أنه كان لا يركب يومئذ إلا بغلته الشهباء، وانكشف عنه جيشه، ولم يزل يسوق بغلته إلى نحر العدو ويركضها إلى وجهه، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم يعرف بنفسه من لم يعرفه، أيا كان عدوا أو نصيرا، داعيا للمسلمين إلى الرجوع والثبات في وجه العدو، قائلا:(إلي عباد الله، إلي أنا رسول الله، أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).
وأخذ عمه العباس - وكان جهير الصوت - ينادي من جهته بأعلى صوته قائلا حينا:" يا أصحاب سورة البقرة " وقائلا حينا آخر: " يا أصحاب الشجرة " يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها المهاجرون والأنصار، فجعلوا يرجعون ويقولون:" لبيك لبيك " وانعطف الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يصدقوا الحملة، وأخذ قبضة من تراب فرمى بها العدو بعدما دعا ربه واستنصر وقال:(اللهم أنجز لي ما وعدتني) فما بقي من العدو أحد إلا أصابه من تلك القبضة من التراب في عينيه وفمه ما شغله عن القتال، ونظر رسول الله إلى مجتلد القوم فقال:(الآن حمي الوطيس) ولم يلبث العدو أن انهزم انهزاما شنيعا، وأخذ يتساقط قتلاه وأسراه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان النصر الأخير لرسول الله وللمؤمنين، والهزيمة الأخيرة لهوازن ومن معها من المشركين، ولم تمض عشرون يوما بعد هزيمة هوازن وحلفائها حتى قدمت البقية الباقية منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين، فعند ذلك قبل إسلامهم وخيرهم بين سبيهم وأموالهم، فاختاروا سبيهم وكان يبلغ ستة آلاف