سواه، لأن العلة - وهي النجاسة -موجودة فيهم، والحرمة موجودة في المسجد، وقد أكد الحال ببيان العلة وكشفها فقال:{إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} يريد ولا بد لنجاستهم فتعدت العلة إلى كل موضع يحترم بصفة المسجدية ".
وقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} يمكن تفسيره بمعنى: إن خفتم الفقر، بانقطاع مادة المشركين عنكم، وتوقف الحركة التجارية التي كانوا يقومون بها، فإن الله سيعوضكم عنها، وسيغنيكم عن تجارة المشركين بتجارتكم أنتم استغناء تاما، وكذلك كان الأمر.
وبعدما بين كتاب الله حكمه في شأن المشركين بجزيرة العرب، وكونهم لا يقبل منهم إلا الإسلام، حرصا على أن يظل مهد الإسلام خالصا له وحده لا تشاركه فيه أي ملة كيفما كانت، انتقلت الآيات الكريمة إلى بيان حكم الله في أهل الملل الأخرى، ولاسيما " أهل الكتاب " من اليهود والنصارى، وهذا الحكم الإلهي يقتضي أولا وجوب قتال المسلمين لأهل الكتاب، وإذا كان الإسلام قد أمر بقتال المشركين من عبدة الأوثان، مع العلم بأنهم لم تكن عندهم أدنى سابقة من التوحيد والنبوة والشريعة إلى أن أظلهم الإسلام، فإن أمر الإسلام بقتال أهل الكتاب يكون من باب أولى وأحرى، إذ إن الحجة قائمة عليهم منذ قرون، وذلك بالكتب الإلهية التي يقرون أنها نزلت على أنبيائهم، فهم على شيء من العلم بالتوحيد والنبوة والشريعة، وفيما تناقلوه بينهم ذكر صريح لرسول الله، وإشارة واضحة إلى ملته وأمته، ورغما عن ذلك كله