كفروا بالله واليوم الآخر، ولم يحرموا ما حرم الله ورسوله، ولم يدينوا بدين الحق الذي هو دين الإسلام، وهذا هو السر فيما يطلقه عليهم كتاب الله غالبا من لفظ (أهل الكتاب) تأكيدا لإقامة الحجة عليهم، إذ هذا اللفظ يعني في جملة ما يعنيه أهل الكتاب الجاحدين لكتابهم، المحرفين لكلمه عن مواضعه، الذين يشترون به ثمنا قليلا.
ويقتضي حكم الله في شأنهم ثانيا قبول الجزية منهم إن استسلموا لسلطان الإسلام، ورضوا بالدخول تحت ذمته، والعيش تحت طاعة دولته، وذلك معنى قوله تعالى هنا:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} و (الجزية) التي يدفعها (أهل الذمة) للدولة الإسلامية التي يوجدون تحت حكمها تقابل (الزكاة) التي يدفعها المسلمون لدولتهم وبيت مالهم، وبذلك يساهم المسلمون والذميون معا في تكاليف الدولة الإسلامية والتزاماتها. غير أن يد المسلم المعطي في الزكاة يد عليا، لأن المسلم جزء لا يتجزأ من الدولة الإسلامية، فهو منها وإليها، ويد الذمي المعطي في الجزية يد سفلى، لأن وجوده بين أظهر المسلمين إنما هو مدين به لتسامح الدولة الإسلامية وكرمها، يضاف إلى ذلك ما في دفع الذمي الجزية من إشعار بطاعته لسلطان الإسلام، والتزام بعدم التمرد عليه، واعتراف بسماحة الإسلام وتسامحه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
وختم هذا الربع ببشارة كبرى بشر الله بها رسوله والمؤمنين،