اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} أي أبغض خروجهم {فَثَبَّطَهُمْ} أي أخرهم عن الخروج: {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي لمشوا بينكم بالنميمة، وحركوا بينكم عوامل البغضاء المؤدية إلى الفتنة:{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي وفيكم من يستحسن حديثهم الخداع، إذ إنكم لستم جميعا على بينة من أمرهم، فهم منافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وبذلك يقع السامع لهم في الشرك، ويحدث بين المؤمنين - بسبب دسيستهم وسعايتهم - فساد كبير، وإلى هذا التفسير ذهب قتادة وغيره من المفسرين.
ويحتمل أن يكون معنى قوله تعالى:{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أنه يوجد منبثا من بينكم عيون لهم، منهم وإليهم، يتتبعون أخباركم وينقلونها إليهم أولا بأول، لإفساد خطة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعطيل سير المؤمنين، وإلى هذا التفسير الثاني ذهب مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير الطبري. قال ابن كثير:" والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق ".
ثم أخبر الحق سبحانه وتعالى عن تمام علمه وإحاطته بما ظهر وما بطن من نوايا المنافقين ودسائسهم، فقال تعالى:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} فهو مطلع على سرائرهم، عليم ببواطنهم كعلمه بظواهرهم:{لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ} أي لقد فكروا وقدروا، ودبروا من أسباب الفتنة والاضطراب ما دبروا، وتعاونوا مع جميع القوات المعادية للإسلام بغية القضاء عليه، حتى لا يترعرع ولا يشتد ساعده، ومنذ هجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رمته قريش وحلفاؤها