عن قوس واحدة، وحاربه اليهود والمنافقون حربا لا هوادة فيها، ولعبت حرب الأعصاب والإشاعات والدسائس ضد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة دورا كبيرا، فلما نصره الله (يوم بدر) قال زعيم المنافقين عبد الله بن أبي كلمته المشهورة: " هذا أمر قد توجه " ويئسوا وقتئذ من التغلب على رسول الله والمؤمنين، فلم يسعهم إلا أن يظهروا الإسلام ويندسوا بين المسلمين، لمتابعة دسائسهم، لكن دون جدوى، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ}.
وعرض كتاب الله نموذجا من نماذج الأعذار التي كان يعتذر بها المنافقون عن الخروج مع رسول الله إلى غزوة تبوك، فمن تلك الأعذار التي بلغت الغاية في المجون والاستهتار، ما قاله الجد بن قيس جوابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دعاه إلى الخروج مع المسلمين وقال له:(هل لك يا جد في جلاد بني الأصفر هذا العام) - يريد الروم البيزنطيين- فكان جواب الجد بن قيس:(يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن) فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: (قد أذنت لك). وإلى هذه القصة يشير قوله تعالى هنا في إيجاز وإعجاز:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} ثم عقب عليها كتاب الله بما يبين بطلان هذا العذر من أصله، وسوء نية صاحبه فقال:{أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} وكان هذا الجزاء من جنس العمل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}.