عن غيرهم ولا ينفكون عنها بحال، ألا وهي خصيصة الطمع والاستغلال، والروح الإنتفاعية المهيمنة عليهم في جميع الظروف والأحوال، فهم راضون مستبشرون، يعلنون رضاهم كلما استغلوا وانتفعوا وكانت مصلحتهم الخاصة مضمونة ومصونة، وهم ساخطون متبرمون، يعلنون سخطهم كلما توقفت عجلة الاستغلال والانتفاع، وتعطلت أبسط مصلحة من مصالحهم الخاصة، وذلك قوله تعالى في شأن المنافقين، الأولين منهم والآخرين:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} أي من يطعن عليك ويعيبك في قسمها ويتهمك في توزيعها، و (اللمز) في الأصل يقصد به عيب الشخص لغيره في غيبته لا بمحضره، والمراد (بالصدقات) هنا الأموال العامة التي يقوم بجبايتها بيت مال المسلمين برسم الزكاة المفروضة: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}.
وبعدما فضح كتاب الله طبيعة المنافقين وما هم عليه من التقلب في المواقف بين السخط والرضى، وسقوط الهمة، والطمع البالغ والاستغلال الفاحش، بين كتاب الله الموقف السليم الذي يقفه -عادة - المؤمنون الصادقون، والذي أخطأ طريقه وضل عنه المنافقون، وهذا الموقف هو موقف الرضى بحكم الله، والثقة بوعده، والرجاء فيه، وإخلاص العمل لوجهه الكريم، فقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} فقد تضمنت هذه الآية الكريمة " أدبا كريما، وسرا عظيما " كما أشار إليه ابن كثير.
وأخيرا تناول كتاب الله موضوع الزكاة بالتأصيل والتفصيل،