ومما يدل على تضايقهم البالغ ما أخذوا يتحدثون به فيما بينهم، من أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصغي إلى الأخبار التي تنقل له عنهم، ومن أنه يتأثر بتلك الأخبار وينفعل لها، بينما هي في زعمهم لا أساس لها من الصحة، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} - أي أن من قال له شيئا عنهم صدقه - {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} - أي أنه عليه الصلاة والسلام يميز الخير من الشر، والصواب من الخطأ، والصدق من الكذب، ولا يلتبس عليه من أمرهما شيء، خلافا لما يزعمه المنافقون - {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} - أي يصدق المؤمنين ويزكي أخبارهم - {وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ثم نبه كتاب الله إلى المخاوف التي أخذت تساور المنافقين من جراء إلقاء الأضواء الكاشفة عليهم يوما بعد يوم، وأنهم يتهيبون أن تنزل على الرسول في شأنهم سورة خاصة بهم، إذ ذاك يرفع عن وجوههم آخر برقع من البراقع الشفافة، ويتعرضون لنقمة المؤمنين وغضبهم قبل حلول يوم الحساب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ}، وأنذرهم كتاب الله عقب ذلك بما يؤكد مخاوفهم قائلا:{قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ}.
ووصف كتاب الله أنواع الاعتذار التي يعتذر بها المنافقون متى عجزوا عن إنكار أقوالهم أمام الرسول، حيث يقعون في منتهى الحيرة والارتباك. فقال تعالى مخاطبا لنبيه في شأنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ