لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ومن ذلك ما قاله فوج من المنافقين بمناسبة خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك:" يظن هذا أنه يفتح قصور الشام وحصونها "؟ وما قاله فوج آخر منهم بنفس المناسبة تخديرا لجمهرة المومنين:" أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال "؟ أي مشدودين بها، وقد أثبتت الأيام التالية بعد ذلك أن قصور الشام وحصونها سقطت كلها في قبضة الدولة الإسلامية الفتية، وإن " بني الأصفر " هم الذين سقطوا أسرى وقتلى في أيدي المسلمين، وبذلك كانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
ثم واجههم الحق سبحانه وتعالى بخطابه في صيغة إنذار نهائي، فقال تعالى لهم:{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فلا معنى إذن للاعتذار ولا فائدة منه.
وإذا كان المنافقون على درجات متفاوتة في النفاق، فيهم المتبوع والتابع، والرئيس والمرؤوس، وجرائمهم ليست في مستوى واحد، ولا مدفوعة بدافع واحد، فقد ينال عفو الله أقلهم أذى إذا أتاب وأناب، ولكن البعض الآخر لا بد له من شديد العقاب وعسير الحساب، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى:{إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.
واهتمت الآيات الكريمة في هذا السياق بعقد مقارنة دقيقة وفاصلة بين المنافقين والمؤمنين، وذلك حتى لا يبقى أي لبس في شأن معرفتهم، وحتى يسهل تمييز بعضهم عن بعض بالنسبة لجميع الناس، وبالنسبة لجميع العصور: