الاستيلاء، كأنما لم يسبق منهم أي عهد أو التزام أمام الله بالإحسان والعطاء، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} وهذه الآية الكريمة تشبه في مغزاها آية أخرى سبقت في سورة الأعراف المكية، وهي قوله تعالى:{فَلَمَّا أَثْقَلَتْ- أي حملت حملا ثقيلا - دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} الآية.
ولتمام الفائدة في هذا الصدد ينبغي التنبيه إلى أن " البخل " يستعمل في الكتاب والسنة للدلالة على التقصير في أداء ما هو واجب، بينما " الشح " يستعمل للدلالة على الإخلال بأداء ما هو مستحب، كما حرره ابن العربي المعافري.
وبين كتاب الله ما تعرض له المنافقون من سوء العاقبة بمثل هذا التصرف اللعين، فقد زاد نفاقهم بسببه حدة وشدة، إذ السيئة تشجع على أختها، والمعصية الصغيرة تدفع إلى ما هو أكبر منها، " فالمعاصي بريد الكفر " كما ورد في الأثر. وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} أي فأعقبهم بخلهم نفاقا راسخا في قلوبهم، لازما لهم إلى يوم الدين، يوم يلقون جزاء نفاقهم، حيث يعرضون على الله للحساب والعقاب، {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} أي أن ذلك بسب إخلافهم للوعد، وخيانتهم للعهد {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أي وبسب كذبهم فيما تحدثوا به والتزموه، إذ كانوا منطوين على سوء النية من أول وهلة،