فالمنافق في الوقت الذي يتحدث فيه إلى غيره يكون واثقا بأنه كاذب فيما يقول، وفي الوقت الذي يعد فيه غيره يكون مصمما على أن لا يفي بالوعد {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}، وإنما آتاهم الله من فضله ووسع عليهم الرزق - وهو يعلم السر والنجوى - ليبلوهم وينظر كيف يعملون أولا، وليظهر حقيقة حالهم للناس ثانيا، حتى يكونوا على بينة من نفاقهم الراسخ، ومعرفة بمرض قلبهم المزمن، على حد قوله تعالى في آية أخرى:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام أن ما استنكرته هذه الآية الكريمة ووصفت به المنافقين من إخلاف الوعد:{بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} ومن الكذب في الحديث: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} هو نفس ما أكده الحديث النبوي الشريف المروي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان). وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).
ومن الأمثلة التي تندرج تحت هذه الآية قصة ثعلبة بن حاطب، وينسبها بعضهم إلى غيره، فقد جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الدعاء له بالمال قائلا: يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه) فقال له ثعلبة: (والذي بعثك