نأخذ هذا منك) فقال:(بلى فخذوها، فإن نفسي بذلك طيبة، وإنما هي له) فأخذاها منه، ومرا على الناس فأخذوا منهم الصدقات، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال:(أروني كتابكما) فأعطياه الكتاب فقرأه، فقال مرة ثانية:(ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، فانطلقا عني حتى أرى رأيي) فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال لهما قبل أن يكلماه:(يا ويح ثعلبة) فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي، فدعا للسلمي بالبركة، فأنزل الله عز وجل:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} الآية، وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة، فخرج حتى أتاه وأخبره الخبر، ولما بلغ ثعلبة ما نزل من القرآن في شأنه وشأن أمثاله أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله أن يقبل صدقته، فقال له رسول الله:{إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك} فقام ثعلبة وأخذ يحثو التراب على رأسه، ولما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبل صدقته رجع ثعلبة إلى منزله حزينا كئيبا، ثم انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وهو مقاطع لصدقته دون أن يقبل منها شيئا.
ولما استخلف أبو بكر أتى إليه ثعلبة، وسأله أن يقبل صدقته، فقال له أبو بكر:" لم يقبلها منك رسول الله فكيف أقبلها؟ " وأبى أن يقبلها منه، إلى أن توفي أبو بكر، وهو مقاطع لصدقة ثعلبة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما استخلف عمر جاءه ثعلبة يقول:" يا أمير المؤمنين، إقبل صدقتي " فقال له عمر: " لم يقبلها منك رسول الله ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك؟ " وتوفي عمر وهو مقاطع لصدقته أيضا دون أن يقبل