وقد تلقى حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين وعرف أشخاصهم، فكان بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى هو الذي يلفت نظر المسلمين إليهم كلما مات واحد منهم، حتى لا يصلوا عليه ولا يقفوا على قبره، امتثالا لهذه الآية الكريمة، ومن أجل ذلك أطلق على حذيفة بن اليمان لقب " صاحب السر "، والسر إنما هو في هذا المقام بالخصوص. وهكذا أصبحت صلاة الجنازة قاصرة على المؤمنين يستغفر بها أحياؤهم لأمواتهم، ومما جاء في فضلها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:(من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل وما القيراطان؟ قال: أصغرهما مثل أحد) يشير إلى جبل أحد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال:(استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل) أخرجه أبو داود في سننه، وانفرد به.
وبعدما فضح كتاب الله في هذه السورة الكريمة الأعذار المنتحلة التي كان يعتذر بها المنافقون عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، كقوله تعالى حكاية عنهم:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي}، وكقوله تعالى حكاية عنهم أيضا:{وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} جاءت الآيات الكريمة بالقول الفصل في بيان العذر الصحيح والعذر الباطل.
ومضمون هذه الآيات أن الأعذار التي تقبل ويرفع الحرج بسببها عمن قعد عن الجهاد، إما أن تكون أعذارا لازمة للشخص،