ضرا، وأن الرسول على شدة قربه من الله خاضع كل الخضوع لمشيئة الله المطلقة، لا يفلت منها في شيء، وذلك قوله تعالى:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}. ومغزى هذه الآية الكريمة تذكير المؤمنين بأنه لا ينبغي لهم أن يتركوا " الوسيلة " الشرعية إلى رضا الله والقرب منه، وهي إتباع الأوامر واجتناب النواهي، والتزام التقوى، والتمسك بالاستقامة سرا وعلنا، وأنه لا ينبغي لهم أن يتكاسلوا عن الأعمال الصالحة، ويتكلوا كل الاتكال على مجرد رحمة الله وعفوه، وما يتفرع عنهما من شفاعة في العصاة والمذنبين بعد التعذيب والتأديب، وأنه لأكرم للمؤمن، وأوفق بإيمانه ومحبته لله والرسول -إن كان صادق المحبة لهما- أن يكون من أهل الحسنى وزيادة، لا من أهل السوأى، أو من أهل السوأى وزيادة، فشعار هذا الدين:" اعملوا ولا تتكلوا ".
ومن هنا انتقل كتاب الله إلى تقرير حقيقة دينية وكونية طالما قررها وكررها، ألا وهي أن الأمم نفسها لها أعمار وآجال كالأفراد، وأن كل أمة لها أجلها الذي تستوفيه إذا لم تبق صالحة للحياة، وأنه إذا حل هذا الأجل لم تبق أمامها أية فرصة للنجاة والخلاص، فما على كل أمة تريد البقاء إلا أن تحسن التصرف فيما آتاها الله، وأن تبتعد كل البعد عن موجبات سخط الله، وفقا للرسالة الإلهية التي تلقتها من رسول الله، أما إذا خانت العهد، وأخلفت الوعد، وتصرفت تصرف السفهاء الخائنين، فإنها لا بد أن تقضي نحبها، وتدخل في عداد الغابرين.