وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة موسى وفرعون، وهذه القصة تأتي بصفة خاصة في عدة سور من القرآن الكريم، لحكم إلهية في ذلك، ولعل من جملة هذه الحكم تذكير المسلمين باستمرار، بما مر به بنو إسرائيل من التقلبات والأطوار، وما أوقعوا فيه العالم من فساد وإباحية واستهتار، وتوجيه أنظار المسلمين وغيرهم، إلى وجوب الحذر من هذا العنصر الناقم على غيره، لما فيه من الأضرار والأخطار.
والمهم من قصة موسى مع فرعون في هذا السياق هو تعريف المسلمين بأن السر في هلاك فرعون وقومه هو ما كان عليه فرعون من كبر واستعلاء، وما كان عليه هو وقومه من ظلم وإجرام، وما حاولوه من إخفاء الحق عن طريق السحر والشعوذة، مما جعلهم في عداد الهالكين الخاسرين، وأبقى قصتهم عبرة للأولين والآخرين، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ * قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا}؟. كما يشير إلى نفس المعنى قوله تعالى في نفس هذا الربع:{وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ}.
وبين كتاب الله ما أدلى به فرعون وقومه من الأعذار المنتحلة، والمبررات المفتعلة، لرفض الدعوة الإلهية، وهذه الأعذار والمبررات تتلخص في أن الدعوة التي جاء بها موسى من عند الله إنما ترمي إلى قلب نظام الدولة، والاستيلاء على مقاليد