إنما استخلاص العبرة، وضرب المثل بالواقع المحسوس، فقال تعالى:{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}. والخطاب هنا وإن كان موجها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ليطمئن إلى وعد الله، وإلى أن الله سينجي المؤمنين، وسيهلك المكذبين، هو موجه أيضا إلى مشركي قريش، وإلى كل من يسلك مسلكهم في التكذيب والعناد، والغفلة عن سلوك طريق الرشد، ليوقنوا بأن مصيرهم -إذا أصروا على ما هم عليه- هو الهلاك المحقق والعذاب الأليم، إذ {ما جرى على المثل يجري على المماثل}.
وتحدث كتاب الله عن أفواج الرسل التي جاءت بعد نوح عليه السلام، وما جاء به أولئك الرسل إلى أقوامهم من الحجج القاطعة والبراهين الساطعة، إلا أن أقوامهم بادروا إلى تكذيبهم، وأصروا على موقفهم، ورغما من مرور الأيام واستمرار الدعوة دون انقطاع، فإنهم لم يتراجعوا عن موقفهم قلامة ظفر، عنادا وإصرارا، وتعصبا واستكبارا، وذلك قوله تعالى:{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ} أي من بعد نوح {رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} أي رفضوا أن يؤمنوا أخيرا بما كذبوا به أولا، فأهلكهم الله، عقابا لهم، وتحذيرا لمن بعدهم، {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ}[الإسراء: ١٧]. {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ} أي وهكذا يقع للمكذبين الذين يأتون من بعدهم، إذ يسلكون نفس السبيل الذي سلكه أسلافهم من المكذبين الأولين، فهم في الحقيقة حزب واحد، ويجمعهم رأي واحد، هو الاعتقاد الفاسد.