لما آمنوا في الوقت المناسب قبل نزول العذاب {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي حلنا بينهم وبين العذاب، بسبب إيمانهم وتوبتهم قبل حلول العذاب، وذلك على خلاف ما فعله غيرهم، حيث لم يؤمنوا إلا عند حلول العذاب لا قبله، فلم ينفعهم إيمانهم في اللحظة الأخيرة، لأنه إيمان مطعون فيه صادر عن اضطرار وإجبار، لا عن اقتناع واختيار {وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أي متعنا قوم يونس إلى حين انتهاء آجالهم.
وبهذا التفسير يتضح أن الاستثناء الوارد في قوله تعالى:{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} هو من باب الاستثناء المنقطع بمعنى: (ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب).
وقوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} معناه أن الله تعالى لو أراد لحمل الناس على الإيمان واضطرهم إليه غاية الاضطرار، ولم يترك لهم في شأنه أي اختيار، ولجعل الإنسان كباقي الحيوانات العجماء مسوقا من ورائه بسوط القهر والإجبار، وحينئذ يصبح الإنسان مجبرا على الطاعة، مكرها على الإيمان، فاقدا لأخص خصائص الإنسان، لكن الله تعالى أراد أن يخلق الإنسان على خلاف غيره من الحيوانات، فخلقه حرا مختارا، وأعطاه من الأجهزة والملكات الخاصة به ما يمكنه من النظر والاختيار، ولا ينزل به إلى مستوى القهر والاضطرار، حتى يكون له في نظره الخاص ميزة، وفي اختياره الخاص فضل، وحتى يكون للتكليف والمسؤولية أساس مفهوم، ومبرر معقول، ومن أجل الملكة الإنسانية -ملكة التقدير