وإما في البحر ما يقتات به من المنتوجات والثمرات على اختلاف الأجناس والأنواع والأصناف، مما هو صالح ومناسب لحياة كل نوع من أنواع الأحياء، حشرة كان أو حيوانا أو إنسانا، وما على المسترزق إلا أن يبحث عن رزقه، ويسلك الطريق المؤدي إلى العثور عليه، وذلك قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}. قال أبو القاسم بن جزي:" فان قيل كيف قال -على الله- بلفظ الوجوب وإنما هو تفضل، لأن الله لا يجب عليه شيء؟ فالجواب؟ أنه ذكره كذلك تأكيدا في الضمان، لأنه لما وعد به صار واقعا لا محالة، إذ أنه لا يخلف الميعاد ". ولا يقولن أحد: إن الله قد تكفل برزقي فلأترك تناول الأسباب، ولأنتظر من يطرق الباب، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما قال عمر بن الخطاب.
وقوله تعالى هنا:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} إشارة إلى أن علم الله محيط بكل شيء، وأنه يعلم على العموم والخصوص، وعلى الجملة والتفصيل، في أي أرض تعيش الأحياء وفي أي أرض تموت، زرافات ووحدانا، وبأوسع من هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام: ٥٩].
والمراد " بالكتاب المبين " في هاتين الآيتين هو نفس المراد بالكتاب في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ