بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٣٨] أي كتاب خاص محفوظ عند الله، فيه بيان مفصل عن شؤون الخليقة من بدايتها إلى نهايتها.
وقوله تعالى هنا:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} المتعلق من جهة الإعراب بفعل -خلق- الوارد في قوله تعالى قبله {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} تنبيه من الله إلى أن الحكمة في التفضل بخلقهم والتكفل برزقهم إنما هي اختبار أحوالهم، وإبراز آثارهم، والكشف عن اختياراتهم، لتقوم الحجة عليهم، فالدنيا إنما خلقها الله لتكون حلبة سباق وتنافس بين الناس في العمل الصالح، الذي ينشأ عنه صلاح البشرية وسعادتها، على غرار قوله تعالى في آية أخرى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: ٢].
و" العمل الأحسن " المعبر به في هاتين الآيتين هو نفس المعنى المراد من " العبادة " التي ورد ذكرها في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]. فكل عمل صالح هو عبادة لله وامتثال لأمره، من جهة، وكل عبادة هي في حد ذاتها عمل صالح، من جهة أخرى، والقرآن يفسر بعضه بعضا.
وقوله تعالى في هذا الربع:{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ}. المراد بالأمة هنا الأمد والأجل، أي إن أخرنا عنهم العذاب إلى وقت محدود تساءلوا ما الذي يحبس ذلك العذاب، وبنفس المعنى استعمل لفظ " أمة " في